"من يوميات "أدمغة عاصفة

Thursday, May 29, 2008

"ربّ القيادة" يطاحش على وقع "اللكشات" الممنهجة


"يا زلمي بهالبلد ما بتخاف من سواقاتك بس من الإدّامك". عبارةٌ يكرّرها اللبناني في جلسات "العنجهية" المعتادة على مسامع الرفاق والجيران. "ما أنا وأنا"... بهذه الكلمات يبرّر "لكشة" عرضية لسيارته الشهيرة التي قاست منه ما قاسته ولم تفتح "فمها" يومًا.

إنه وبكلّ فخر كتاب القيادة المثالية في لبنان. كتابٌ لم تأخذ عملية تأليفه "كلاّ عبعضا" بضع ساعاتٍ. المؤلف "ربّ القيادة" وما أكثرهم في هذا البلد. البداية في السيّارات المطاحشة و"المزوربة" أمّا الخاتمة فإمّا في "الجلّ" وإمّا في المستشفى و"الحق عالإدام" طبعًا.

من قاموسهم

إنه "ربّ السواقة" وكيف لا يكون؟ "ربّها" ولكن بمفهومه الخاصّ. ولمن لا يعرف المعايير التي تخوّل السائق دخول كتاب "فطاحل" القيادة ومخالفيها إليكم هذه الوصفة المضمونة 100%، والتي في حال تمّ الإلتزام بها تكون نتيجتها أيضًا مضمونة وهي عبارة عن بضع سنوات سجن لكن ليس في لبنان طبعًا: لا تضع حزام الأمان كي ترتاح "بالتشفيط" والتدخين والتحدّث الى الخلوي والأكل وربّما تنظيف الأسنان إذا تأخرت عن العمل. للظروف أحكامها والغاية تبرّر الوسيلة لذا "طاحش" بما أوتي لك من قوّة وإن لزم الأمر "فلكشة أو لكشتان" كحدّ أقصى "ما بيشكوا من شي". زمورك متعدّد الإستعمالات: للتسلية، "للتزنيخ"، للتعبير عن الاتجاه السياسي، وللدلالة على أنّ صبرك قد نفذ من "الإدامك" وهو طبعًا سيخاف منك لأنّ للزمّور رهبته. المرآة لا استعمال لها فهي مجرّد "ديكور" زرعته شركات السيارات، وفي حال كان لها وظيفة فهي "لتظبيط شبوبيتك" ليس أكثر. أخيرًَا الشتائم المنبعثة من النوافذ لسائقٍ "كسر عليكم" أو مرّ قبل فخامتك ضرورية لتسجيل موقفكم ولتسجيل بطولاتكم في كتاب "فطاحل" القيادة.

من مال الله

حسب علمنا وعلم الجميع هناك في كلّ دولة مراكز للوهب على أنواعه: وهب أعضاء، وهب مساعدات خيرية، هبات إقتصادية وغيرها، بيد أنّ معظم عمالقة العالم لم يتوصلوا بعد الى افتتاح ما تمّ ابتكاره في لبنان: مراكز لوهب الرخص. سواء كانت هذه الآلية معتمدة ولم تعد اليوم أم أنها لا تزال حتّى الساعة فالأكيد أنها مرّت على لبنان ولم يكن مرورها مرور الكرام، بل عشّشت فيه ونامت فيه وأخذت مجدها و"كتّرت". أمّا النتيجة الجلية فكانت المزيد من عباقرة القيادة. وليس المقصود في هذا الإطار التشكيك ببراعة اللبناني في القيادة وإنمّا إلقاء الضوء على قاموس القيادة الخاصّ الذي يبتكره مع الوقت عندما يكتشف أنّ القيادة على طرقات بلده ليس بالأمر المشرّف بل هو بالأحرى أمرٌ "بيكفّر".

صاحب الحق

أمران لا يمكن لأحد أن يساوم اللبناني عليهما: السياسة والقيادة. فخيرٌ لك أن تغيّر اسمك على أن تمسّ بعقيدة اللبناني السياسية. وخيرٌ لك أن تطرق رأسك بالحائط على أن تقول للبناني "الحقّ عليك بالحادث". فهو دائمًا كفيلٌ بإيجاد التبريرات حتّى بعد مجيء الخبير. ينتقد الآخر بشتّى أنواع الشتائم حتّى لو كان هو المذنب، دائمًا الحقّ على الآخر، ذاك المجهول الذي لا يعرف فنون القيادة علمًا أنّه خرّيج المدرسة نفسها. وليت الحقّ يبقى على ذاك المجهول فقط، بل حسب التعابير اللبنانية مرّة على "الإدماني" ومرّة أخرى على "الخلفاني" ويختلط الحبل بالنابل و"الشاطر يفهم". ولكن ذاك اللبناني المقدام والمطاحش والمقبل بشهية على إطلاق التهم ورميها على هذا وذاك، ألا يحسب يومًا أنه قد يكون هو "الإدماني" أو "الخلفاني" ذات مرّة؟ فأبو داني مثلاً هو "ربّ" القيادة على حدّ قوله. لا أحد ينافسه على طرقات لبنان وهو لا يخاف من "قيادته" المتينة بل من الآخرين. أبو داني يخرّج أجيالاً في قيادة السيّارات، فيقول:" أولادي طالعين من تحت إيدي، ولاد أبوهم. يبرعون في قيادة سياراتهم ولا يخالفون قواعد السير. محنكو قيادة يطاحشون ولكن بذكاء وخبرة". وأمثال أبي داني كثر، يتباهون بقيادتهم العتيقة ويعلقون براعتهم في تجنب الحوادث و"اللكشات" وسامًا على صدرهم يساوي الشهادات بمئة مرّة.

الزمّور السحري

كثيرون يتساءلون كما نتساءل نحن الذين يوقظهم "الزمّور المعلّق مع صاحبو" عند السَحَر، ماذا يغيّر الزمور؟ وهل هو كفيل بحمل السيّارة عاليًا وسط الزحمة الخانقة لتمرّ بصاحبها فوق السحاب؟ وكأنّ "الزمور" اللبناني يصنع الأعاجيب حتّى يضع السائق يده عليه ولا يزيحها إلاّ عندما "يزيح" الناس به. هذا في زحمة السير، ولكن لا شيء يمنع من أن يطلق أحدهم العنان لزموره الجديد، ليس بهدف إزعاج الناس البتّة "أعوز بالله"، ولكن فقط لأنه أراد أن يجرّب زموره الجديد "الطالع من الشركة". وعلى وقع أنغام الزمور الشهير يستفيق الحيّ ويعلو صوت المنزعجين والزمور لا يتوقف إلاّ بعد أن يتأكد صاحبه من سلامته. ومن أراد أن يؤثّر أكثر "لتفرّ" دمعة المستمعين العالقين في الزحمة أو "الساردين" على شرفاتهم يستخدم الزمامير الملحّنة. فيرقص الشارع وطنيّةً على صخب زمّور مسيّس. وكأنّ التصفيق في الساحات لا يكفي حتّى ينتقل التعبير الى الزمامير "المعتّرة" التي ضاقت ذرعًا بصاحبها وبحّ صوتها وجفّ ريقها من التمجيد بهذا والتفخيم بذاك. وليس الساسة بعيدين عن هذا الواقع، فإذا أردت معرفة أنّ زعيمًا ما قادمٌ على إحدى الطرقات، فما عليك إلاّ انتظار زمور مواكبيه الذي يفتح فمه ولا يقفله إلاّ بعد وصول الزعيم الى المكان القصود.

كلمة حقّ تُقال

لو كانت طرقات لبنان مشرّفة وتليق بالقيادة السليمة لحكمنا على اللبناني بالمخالفات القاتلة، ولكن بما أنّ طرقات لبنان التي تعجّ بالحفر والخنادق والتحويلات ومئة "ضربة سخنة" تكاد تشبه حلبات "الرالي" الجبلية، نعود لننصف السائق ولنقول حقًا: "منيح اللي بعدو مهدّي"، ولعلّ كلمة "مخالفات ولكشات وضيق نفس" على طرقات مماثلة هي كلمات قليلة ولا تفي الواقع المرّ حقه في الوصف. بيد أنّ ذلك لا يبرّر تلك العادات التي ابتدعها اللبناني "كفشّة خلق" على ما يعانيه ليس من "الإدماني والخلفاني" بل من الحفريات المنتصبة أمامه.

إنّها حياة اللبناني. تضيق به الأحوال فيقف جامدًا أمام حلين: إمّا أن يغرق في ظلمة التبعيات وينجو وإمّا أن "يفشّ خلقه" بأخيه اللبناني. وكالعادة القوي و"المدعوم" يأكل رأس الضعيف.

No comments: