"من يوميات "أدمغة عاصفة

Saturday, May 31, 2008

مارونيٌ ينطق "بالقاف" احترامًا للغة العربية

يا ريّس"! ناداني بينما كنت مارًا عند التاسعة مساءً على الطريق المؤدية الى منزلي. رغم أنني لست "ريّسًا" وليس طموحي أن أكون "ريّسًا" في يوم ما، أوقفني صوته الحادّ ونبرته "المرتجفة". توقفت وكأنني شعرت أنني أعرف هذا الصوت منذ زمن. خاف على منطقته من الدخلاء، ولم يعلم أنني ابن المنطقة، فاستوقفته شنطة كتفي والأوراق والصحف في يدي.


وبدأ التحقيق

"شو إنت طالب بالجامعة"؟ من دون استفسار وجدت نفسي أجيبه بسجيّة:" نعم ولكنني عائدٌ من عملي، أنا صحافي". أخطأت في لفظ الكلمة فبدأ التحقيق. بدأ تحقيقه معي وبدأت أنا تحقيقي الصحافي عنه. بدا فطنًا، فاستهلّ تحقيقه معي عـ "الخفيف":" أدّي بتقبض؟ شو بتكتب؟ شو آخر تحقيق...؟". سؤال تلوَ الآخر. لم أقوَ على التحفّظ عن الإجابة عنها لسبب من الأسباب ما زلت أجهله حتى اليوم.
جاريته في الحديث حتى راح يدخل في الخصوصيات ويسأل عن "العلاقات والحريم والراتب والعائلة". استغرب لبرهةٍ من شهرتي وقال:" لم أسمع بها قطّ". وعندما أسمعته اسم احدى الشخصيّات المعروفة التي تحمل الشهرة نفسها استدرك الأمر:" آه. إذاً أنت مارون؟". فاستغربت ردّه وتساءلت عن معنى "مارون" فلست ادعى مارون على حدّ علمي وكما تقول هويّتي. حينها ابتسم وصفعني صفعة طائفية لم أذقها يومًا: "ولو مسيحي وما بتعرف شو مارون. يعني ماروني، من اتباع مار مارون". لم أخجل من نفسي ولم أشعر أنني قصّرت في مكان ما لأنني اعتدت أن أقول إنني لبناني، ثمّ مسيحي إذًا ما سُئِلت وأخيراً ماروني، ليس خجلاً بطائفتي وإنّما حفاظًا على هويّتي.

قيلولة مزيّفة

حين انتهى أو حين شعرت أنه أخذ قيلولة من أسئلته المتلاحقة طرحت عليه سؤالاً بسيطًا:" هل تجيد الكتابة؟" فردّ بسخف:" قصدك خطّي حلو؟". فأجبته بابتسامة هزء مماثلة:" لاء قصدي شاطر باللغة؟". فردّ متعجّبًا:" مش ولا بدّ ليش؟". فلصقته الجواب الذي كان بمثابة ردّ اعتبار وثأر:" لأنك تجيد فنّ التحقيق والآن حان دوري". مضى نصف ساعة وهو لم يملّ وأنا استفقت من الملل الذي كان بدأ يتملكني حين "لصقني" بسؤال مماثل. وما لاحظته منذ بداية حديث ذاك الشاب الثلاثيني أنه يلفظ حرف "القاف" كما يفعل معظم أبناء الطائفة الدرزية الكريمة. فعرفت أنه "شوفيٌّ" أو على الأقلّ من الطائفة الدرزية. لم أسأله عن منطقته كما فعل بل قلت له مباشرة "إنت من الشوف"؟ فاستنفر:" وما أدراك؟". أجبته ببساطة:" لأنك تنطق بالقاف". تلعثم وكأنه كان يقصد أن يتمتم:" مش صحيح. أصلاً ليش بدّك تعرف أنا من وين"؟ حينها أدرت ظهري وهممت بالرحيل فتابع كلامه:" أصلاً كنت بدّي قلّك. أنا من البترون. سامع فيا؟". فأجبت:" طبعًا وأيّ لبناني لا يعرف البترون". ولفظ اسمه وتابع:" وأنا ماروني".

"سطل ميّ"

حينها كأنّ أحدهم رماني "بسطل ميّ مجلّدة". استغربت قوله ولم أصدّق فاستفسرت:" ولماذا تنطق بالقاف"؟. فأجاب ببرودة أعصاب:" لأنّ القاف حرف من لغتنا الأمّ، خُلق ليُلفظ لا ليُستبدَل بالألف كقولنا "قرد" وليس "إرد". نحن نظلم القاف. ثمّ أنا أحبّ أن أموّه عن المارة". شعرت أنه لا يزال يهزأ ولكنه نجح فعلاً في خداعي و"التمويه" عنّي على حدّ قوله. وعندما شعرت أنه بدأ ينطق سارعت قائلاً:" وما أدراك أنني ماروني. أوَليس في قريتي من مسلمين ودروز ومسيحيين غير موارنة". فقال:" ولو. من منظرك يا ريّس. ما مبيّن "gentleman". حينها أغمضت عينيّ لبرهة، لم أفكر في ما أقول وأجبت بسرعة:" منظري ومنظرك ومنظر غيري هنّي اللي خربو البلد". وتركته يفكّر في الجمل التي قلتها والممزوجة بلؤم لم أعتده.
تواريت ولم أتجرّأ على النظر الى "منظر" من هو قربي وأمامي وخلفي كي لا أتذكّر ما خدش أذني من ذاك الـ "Gentleman".

2 comments:

politicosocial said...

dear bro, your article is very popular, near from us, i liked it so much and wish we could make that difference in our society so we can stay a little bit far from Sectarianism...

Rebecca said...

Very nice article! its based on a true story and u could with a very sweet way tell it ! Good luck!