"من يوميات "أدمغة عاصفة

Thursday, May 29, 2008

إن صمتوا "كسدوا" شعبيًا وإن خطبوا انزلقوا لغويًا



"العترة" على شعبٍ نقمة السماء والأرض عليه. فمنذ ظهور اللبناني على أرضه وسفن سياسييه تجري بخلاف ما يشتهي. يكدّ المواطن ليسجّل أولاده في أفخم المدارس ويفعل ما في وسعه ليكتسبوا لغتهم الأمّ، ليتفاجأ لاحقًا أنّ مسؤوليه أنفسهم غير حريصين على هذه اللغة، وإن سلمت جرّة خطابهم المقدّس مرّة، تسجّل أذن المستمع العادي بين الكلمة والأخرى خطأً قاتلاً.

إذا كان العالم الأميركي فيلو فارنسورت قد انتشل البشرية من الظلمة عندما اخترع التلفزيون، فإنه في المقابل أخطأ كثيرًا بإغفاله أصغر التفصيلات فيه وأكثرها أهمية. الحقيقة أنه لم يحسب أنّ التلفزيون سيصل يومًا الى لبنان، فنسي أن يضيف إليه آلة صغيرة تحصي أخطاء الخطباء والزعماء المهرة. ولكن حتّى لو أضافها لما كانت ستجدي نفعًا كونها لن تتحمّل ضغط الأخطاء اللغوية في الثانية الواحدة. وبما أن البشرية لم تتوصّل بعد الى هذه الآلة الفريدة، يبقى التعويل على أذن المثقّف وأصابعه وأصابع من حوله ليحصوا أخطاء من ينتظرهم "على غلطة" ليحاكمهم قانونيًا. وإذا كان من أُنزل بهم العقاب مجرمين مستحقين له، أوَليس الكفر بقواعد اللغة وبلاغتها جريمة في حقّ كلّ من ينطق بالعربية؟

معضلة عجيبة

إن صمتوا أبدعوا وإن تكلموا أفجعوا. ليس غريبًا على ساسة لبنان أن يصوموا مدّة لا ضير فيها عن الكلام . فيظنّ ذوو القلوب الطيبة من الشعب والذين هم "على قدّ حالهم" أنّ الزعماء قرروا أخيرًا التعاطف مع كلّ فئات الشعب وتذوّق المعاناة التي يعيشها البكم، ليتفاجأوا لاحقًا في سبب الصمت الذي غالبًا ما يثير بلبلة في الأوساط الشعبية ويترك المسرح خاليًا للإشاعات التي لا ترحم:" هذا اختلف مع التكتل الفلاني فاعتكف عن الحديث، وذاك ترك التيار العلتاني وغيرها...". هذا إن صمتوا "لا سمح الله"، وإن لم يفعلوا فيأتي كلامهم المشحون بالعنف والصخب مشحونًا بالأخطاء المريعة التي لا ترحم اللغة التي تنبع منها ولا الأذن البشرية التي تهلكها الهفوات الطنانة.
وتبقى المعضلة: إن صمتوا فمشكلة وإن نطقوا فمصيبة.

تضحية...

في وطن باتت فيه اللغة العربية بمثابة لغةٍ ثانوية مقارنة باللغات الأخرى التي يفرضها "التفرنج" اللبناني، لم يبقَ أمام الزعماء سوى حمل لواء الدفاع عن هذه اللغة وحمايتها من "الخروقات" الخارجية، ولكنهم في المقابل ينسون أن يحموها من أنفسهم، لأنّ الواقع يقول إنّ أذية أهل الدار أكثر وقعًا من أذيّة الغرباء.
كثيرون هم الذين يعترفون بضعفهم اللغوي وبتقصيرهم في حقّ لغتهم الأمّ، فتكون الحلول لهؤلاء بسيطة وسهلة المنال: إمّا أن يعودوا كالصغار الذين يلاحقهم طيف قواعد اللغة حتّى الصفوف الجامعية، وإمّا أن يعتزلوا الكلام باللغة العربية فيوفّروا عذابًا على أنفسهم وعلى من يعدّ لهم الخطاب وعلى أذن المستمع، وإمّا أن يصمتوا أو أن يتقنوا لغة الإشارات التي لا تسجّل عليهم هفواتهم الجمّة.

نصائح لغوية

نعترف لساستنا أنّ اللغة العربية لغة صعبة جدًا، ولكن ليس المطلوب "بصم" قواعدها بل معرفة الحدّ الأدنى منها. ولتسهيل المهمّة عليهم وعلى من لا يعرف بديهيات تلك القواعد، لابدّ من تطبيق بعضها على حياتنا اليومية.
فالحركات اللغوية كيف لا تعرفونها وأنتم "أرباب الحركات"؟
فالضمّ هو ما تمارسونه خفية عنّا، والنصب ومن أدرى منكم به، والجرّ الذي تناسبه الكسرة دعوا الشعب يتحدث عنه. أمّا السكون فهو الذي لا تعرفونه فعلاً وهو يأخذ شكل الدوامة التي أدخلتم الشعب فيها.
الفاعل دائمًا مرفوع الى أعلى مستوياته، والمفعول به وهو الشعب دائمًا منصوب، أمّا الفعل فحسب "همّتكم"، مرّة مبنٍ على ثقة مفقودة ومرّة أخرى يحمل لواء النصب ومرّة ثالثة مجزوم ولا عودة عنه. الحال "تعتير" دائمًا منصوبة، أمّا النعت فلا حول له ولا قوّة يتبع المنعوت في كلّ حالاته رغمًا عنه.
وحروف العلّة، وكيف لكم ألاّ تجيدوها وهي منكم وفيكم؟ أمّا الأمر المجزوم فلكم طبعًا.
لم، لا الناهية ولام الأمرهي حروف الجزم التي لا يجيد الشعب لفظها أو ربّما لا يجرؤ على ذلك. لن، كي، لكي هي حروف النصب وهي الوحيدة التي تعرفون وظيفتها قبل المضارع.

مبدعون من لبنان

في ما خصّ أحرف النداء التي تستهلون بها خطاباتكم، فالرجاء أن ترفعوا مستوى الخطاب بعد "أيها" يا أيها السادة، ولا تنسوا "لا النافية" للجنس التي تبررون بها أفعالكم والتي ستنفي كل "ما في جنس بشري" في لبنان في حال استمريتم على هذا المنوال. وأدوات الإستثناء ربّما لم تسمعوا بها لأنّ لا أحد مستثنًى من حساباتكم. ولا تقلقوا في شأن "المفعولات"، فسواء كان مفعولاً به أو معه أو فيه الأمر نفسه، أمّا المفعول لأجله فهذا ما يجب أن تتقنوه قليلاً لأنه غير وارد في منجدكم اللغوي.
ومع أنّ ما "كان" لن يتغيّر مع "ليس" إرفعوا مبتدأهما وانصبوا خبرهما فقط على غرار: " كان لبنان عامرًا، وليس لبنان عامرًا". ومع الأحرف المشبّهة بالفعل على غرار "ليت ولعلّ" وهي لغة الشعب في كلّ حال انصبوا المبتدأ وارفعوا الخبر. ولا تحملوا همّ أحرف العطف، فليس العطف مطلوبًا منكم. أمّا الأفعال الخمسة فليست سوى نقطة في بحر أفعالكم "المليونية" لذا لن يصعب عليكم حفظ خمسة منها. وفعل الطلب يجيده الشعب، أمّا جوابه فمجزوم من قبلكم ومعروفٌ بأنه سلبيٌّ حكمًا. واحذروا الممنوع من الصرف، وفي حال صُرّف عينوا آخر "بالوكالة". وإذا كان فعلكم مجهولاً وهذا غالبًا ما يحصل، وفي حال لم تجدوا فاعله فابحثوا عن نائب فاعل وما أكثرهم.
وأخيرًا، ليس التعمّق في أصول البلاغة مطلوبًا منكم طالما أنكم بليغون فطرةً، ولا في البديع طالما أنكم مبدعون من لبنان، ولا في العروض كي لا يقوم الفراهيدي من موته يسترحمكم السكوت كما يفعل الأحياء اليوم.

إذا كان الساسة اللبنانيون، على اعتبار أنهم المسؤولون عن الأمّة ومندوبوها، هم "وجه السحّارة" فالحريّ بالحريصين على اللغة العربية أن ينتشلوا من هم مطموسون في "كعب السحّارة"، لأنّ "التفاحة المهريّة" ولو كانت عائمة على الوجه تنقل عدوى الإهتراء الى باقي التفاحات شيئًا فشيئًا.

2 comments:

mayssam said...

عند قراءتي مقالك هذا، لم أستغرب الأسلوب الذي لطالما عوّدتنا عليه وهو اللإمتياز في استخدامك لمضامينه. مقالٌ عالج بشفافية نقطة ضعف غابت عن بال المواطن وهي راسخة عند زعمائه إنما لم تغِب عن بالك. وهي الأخطاء اللغوية.
أتنمى لك الايتمرار في هذه الكتابات المفيدة، وأتمنى لك دوام النجاح والتّوفيق.

Nisreen Nasser said...

elie i miss u ktir. alla yerda 3a Dr sanaa li alitilna nn3ml blogs la 2derna netwasal again. see my blog w 5abbirne shu ra2yak. ana 7abbeit ur blog but ur font maghzalne shway hehe tc. hope 2 meet soon