"من يوميات "أدمغة عاصفة

Thursday, May 29, 2008

إعصارُ الألوان يجتاحُ لبنان... والبنفسجيُّ مولودُه الجديد


في خندق الانتظار الطويل الذي يعيشه اللبنانيون منذ مدّة، تستعصي ظاهرة جديدة، فريدة من نوعها، لم يقوَ اللبنانيون من سياسيين ومواطنين على دحضها. إنّها رحلة الألوان التي كان قطارها سريعًا بالنّسبة إلى الللبنانييّن، فتفشّت كالوباء ولم تتركْ سوى القليلين منهم متعافين كونهم تسلحوا بالمناعة الفكريّة بعيدًا عن التبعيّة العمياء.


إنها قصة الوان خلقتها الطبيعة وابتكرها ذكاء الإنسان وفطنته، فحوّلها سياسيو لبنان، بكل بساطة ومن دون إذن أحد، إلى شعارات ذات أبعاد ومعانٍ تختلف عن جوهرها الحقيقي.
فالبرتقالي بات حكرًا على التيار الوطني الحر، والأرزة الخضراء ملكًا للقوات اللبنانيّة وحزب الكتائب، واستأثر حزب الله بالأصفر ، أما تيار المستقبل فارتضى بالأزرق، وفضّل تيّار المردة الفستقي ، في حين تبنّت حركة أمل الأخضر الفاقع... في وطن بات الأمل فيه كمن يعدّ حصى العالم.
أذكياء هم سياسيو لبنان، فقد عرفوا كيف يختارون ألوانهم بدقّة وعناية ويتناسون اللون الأساسي الجامع.
ظهر صراع الألوان هذا منذ فترة قصيرة نسبيًّا وهو يستمر في زمن يصبغ فيه اللون الأحمر القرمزيُّ طرقات المدن والقرى ويمسح عنها غبار الفساد والإرهاب والتّخريب.
ويتساءل اللبنانيون: لمَ لا يتّخذُ أيّ واحد منهم هذا اللون دون غيره شعارًا لطروحاته وتاجًا يضعه على رأسه بفخر واعتزاز؟
الواقع أنّها قصّة وطن زيّنت الشعارات جبينه بإكليل من الغار. هو لبنانهم وليس لبنان الحالمين بالعيش بكرامة، فلبنان هؤلاء هو لبنان جبران، لبنان الإنسان وليس لبنان الألوان.
سرقوا الألوان من قطعة أرض مجيدة ليضعوها على قطعة قماش "بالية"، فما ذنب هذه الألوان وما ذنب لبنان؟
وتمتلئ الشوارع والطرقات بالشعارات المبتكرة والأعلام الزاهية، وما ان يتمَّ الإعلان عن أيّ تجمّع او تظاهرة او اعتصام حتّى تطغى هذه الاعلام وتطمس الوجوه التي تحملها، فيختلط البرتقاليُّ بالأصفر والفستقي، وتغرق الأرزة في الأزرق والأخضر ويضيع الوطن في مزيج لا منفذ له.
بدأ إعصار الألوان يجتاح لبنان بشدّة منذ 14 شباط من العام 2005 وهو لم يتوقّف حتى اليوم، لا بل إنّه آخذ في الاشتداد يومًا بعد يوم. فولادة أيّ "زعيم" جديد تسبقها ولادة قطعة قماش ملونة خاصّة به يُضاف إليها بعض الشعارات والرسوم لتمييزها عن مثيلاتها من الأقمشة ذات اللّون الواحد او المشابه.

ولادة البنفسجي


في الآونة الأخيرة، منذ أسبوعين تقريبًا، شهد اللبنانيّون ولادة لون جديد ينضمُّ إلى عائلة الألوان اللبنانيّة "الشّهيرة". إنّه البنفسجيّ. لم تكن عمليّة الاختيار مفاجئة بالنسبة إلى بعض اللبنانيين، فهؤلاء كانوا يتوقّعون توسيع دائرة الخيارات والاتجاه إلى الألوان المشتقة، نظرًا إلى احتكار الألوان الأساسيّة الأخرى.
أثناء مقابلةٍ مع وزير المال والاقتصاد السابق دميانوس قطّار، أعلنت مقدّمة البرنامج عن مبادرة تضطلع بها إحدى الشّابات اللبنانيّات دعمًا لحملةٍ انتخابيّة واسعةٍ خاصّة بالوزير قطّار نحو كرسي الرئاسة. هنا كان الأمر عاديًّا، لكنّه لم يتوقّف عند هذا الحد فتابعت الإعلاميّة قائلة: "ولقد اختير لهذا الغرض اللون البنفسجي", فكانت الصدمة. وكأنّ كلّ سياسيّ بات في حاجةٍ إلى لون لينطلق في مسيرته السياسيّة او ليحافظَ على موقعه الرفيع، وهذا دليلٌ إضافيٌّ على مدى قوّة الألوان وسيطرتها ودورها في إطلاق زعماء جدد وتشكيل جماهيرهم بغضّ النّظر عمّا إذا كانوا يستأهلون ذلك أم لا.
إلاّ أنّ المفارقة التي تُسجّل هنا أنّ هذا اللون لم يخترْه قطّار لنفسه بل اختير له وألصق به وهو لم يكن يعلم بالأمر أصلاً, لذلك تفاجأ فور سماعه الخبر.

" الزعماء كثر والألوان متوافرة والحبل عالجرار"
وهكذا دواليك، من فترة إلى أخرى "ينبتُ" لونٌ جديدٌ "والحبل عالجرار", فالزعماء في لبنان كثر والألوان متوافرة وإذا استعصى الأمر يتمُّ اللجوء إلى مزج الألوان بغية التوصل إلى اللون المطلوب.

أسبابُ الاستعانة بالألوان


أمّا الاستنجاد المفرط بالألوان فله تفسيراتٌ عدة واردة في الحسبان: إمّا لجذب النّاس بألوان زاهية وشعاراتٍ مؤثّرة، واما لتوحيد الصفوف تحت مظلّة شعاراتٍ واحدة ومحددة تميّز فريقًا عن سواه، أو من أجل تلوين مسيراتٍ وسياساتٍ شفّافّة لا أصل ولا لون لها.
إنّه الأخضر والأصفر والأزرق والبرتقالي والاسود والزهريّ والبنفسجيّ... فقد بات للبنان ألف لون وألف علم.
صرخة الشّعب
تبقى الدّعوة - صريحة أحيانًا وضمنيّة أحيانًا أخرى – من قبل معظم اللبنانيين إلى أن يدع هؤلاء السياسيّون ومن يناصرهم الألوان بسلام وأن يسعوا إلى إشغال أنفسهم بتثبيت سياساتهم وخطواتهم, باعتبار أنّ الحياة المثلى لوطن مثاليٍّ تكون بلا لون كما هو الماء عنصر الحياة والاستمرارية. كما تصدحُ عاليًا أصواتُ فئة كبيرة من الشّعب اللبناني مطالبة بالابتعاد عن هذه الألوان "المبهرجة" والشّعارات المحرّضة بهدف إنهاض الوطن من كبوَته وركوده بدلاً من إغراقه في مستنقع من الألوان الزّائفة.

NB:
"حذار من اللجوء إلى الألوان ما فوق البنفسجيّة"
في شتّى الاحوال، إذا كان الشّعبُ اللبنانيُّ غافلاً عن تبعيّته العمياء لألوان "مسيّسة" فالتّاريخ يقظٌ ليخطَّ بأمانةٍ حكاية شعبٍ ظلم الألوانَ فظلمته، حكاية وطن رفض الألوان وصارعها فانتصرت عليه وكادت أن تصرعَه بطرفة عين.
ويبقى في خاطر اللبنانيين السؤالُ الاكبر: ماذا بعد البنفسجي؟ وهل نصل إلى مرحلة الألوان ما فوق البنفسجيّة المحرقة؟
أمّا الجوابُ فمتروكٌ للزمن!

No comments: