"من يوميات "أدمغة عاصفة

Thursday, May 29, 2008

زادهم الإقتباس وآخر العنقود " روق عصَبري"




زعماء رصّعوا مسيرتهم بسياسيات ألماسية. توّجوا حكاية وطن بنهاياتٍ تكاد تكون دراماتيكية. خطّوا التاريخ اللبناني بتعابير مستجدة دخلت أذهان العامّة. فرضت نفسها كقاموس جديد ترافق الشعب من المهد الى اللحد وربّما تنتقل بالوراثة الى الأجيال المقبلة. إعتدنا أن نسمع الناس يقلدون حركاتهم ويتلفظون بتعابيرهم. واليوم تنقلب المعايير فيعود هؤلاء الساسة الى من ربّعهم على عرش الحكم ليقتبسوا منهم عصارة أفكارهم.

قال ابن خلدون:" الخاسر في الحرب يتمثّل بالمنتصر ويقلده ظنًا منه أنّه صانع الكمال". هي سنّة الحياة. المرؤوسون يقلدون رؤساءهم تمثّلاً بهم أو أخصامهم هزءًا بهم. ولبنان بلد "الموضات" ليس ببعيد عن هذه الظاهرة لكن مرّة أخرى يخرج عن القاعدة المعهودة. فبعدما اعتدنا على تعابير وحركات تعشش في كلّ الشوارع وتتربع على كلّ لسان إنتقلت العدوى الى الزعماء فباتوا يقتبسون بعض التعابير التي تتلاءم وحديثهم.

ليتهم يفعلون

آخر العنقود عبارة وردت على لسان العماد ميشال عون في برنامج كلام الناس المباشر. بعدما شارفت المقابلة على نهايتها، وبغية تهدئة الإعلامي مرسال غانم الذي حاول مرارًا استنطاق الجنرال، كرر عون على مسمع غانم ومسامع المشاهدين :" روق عصبري" مرتين متتاليتين. عبارة مألوفة وجدت انطلاقتها في برنامج "إربت تنحلّ" على شاشة الجديد، فصارت شخصية صبري (شربل اسكندر) على كلّ لسان. ليس غريبًا على اللبنانيين أن يقتبسوا كلماتٍ وعبارات تعجبهم فتصبح محطّ كلام لهم، بيد أنّ المفاجئ هو دخول السياسيين على خط هذا الإقتباس ليضيفوا الى تعابيرهم الشهيرة التي عُرفوا بها "تشكيلة" جديدة يستعملونها متى أرادوا التهرّب من إجابة معينة أو تمرير دعابة أثناء المقابلة أو للتعبير عن حالة أو موقف معيّن بقليل من السخرية.
من فم الجنرال الى باب السماء، ليتهم فعلاً يطبقون ما يقولون و"بيروقوا" جميعهم على صبرنا الذي بدأ ينفذ.

شتيمة مهذبة

في حديث الى "صدى البلد" يقول إيلي فغالي، مخرج برنامج "إربت تنحلّ" :" ولدت فكرة "روق عصبري" عفويًا. لقد أردنا أن يكون هناك نوع من شتيمة مرمّزة في البرنامج من دون أن نتخطى حدود اللياقة والتهذيب. فاقترح شربل اسكندر اسم صبري وركّبنا بعض العبارات التي تتواءم معها ك"طلع دينو صبري" و"روق صبري".
وأردف:" عندما أسمع أحد السياسيين يستخدم عبارة رائجة في برنامجي أشعر أنه مهتمّ بالوضع. ولا يعطيني ذلك انطباعًا غريبًا او "يا لطيف" لأن جميع الذين يشاهدون برنامجي متساوون في نظري والسياسي في النهاية هو من الشعب. لكن عندما قال الجنرال عون في مقابلته الأخيرة "روق عصبري" فرحت كثيرًا لأن الجنرال هو الذي قالها، وربّما لو صدرت على لسان سياسي آخر غير العماد عون لما كنت قد فرحت بهذا الشكل. الحقيقة أنني لم أتفاجأ بالأمر كوني كنت أعلم أن العماد عون يتابع برنامجي "
دائمًا. واقتباس الكلمات إنما هو دليل على أنّ البرنامج يعلّم البعض ولو لم يكن كذلك لما حفظوا منه بعض العبارات".
وعن حالات الإقتباس الأخرى يشددّ فغالي على أن "معظم السياسيين يرمون كلماتٍ مستخدمة في بعض البرامج. فعلى سبيل المثال ورد أخيرًا على لسان رئيس مجلس النواب نبيه برّي عبارة" شو مفكرينّي أرتين"، وأرتين شخصية في برنامجنا يؤدي دورها الممثل ميلاد رزق وتأخذ دائمًا طبع الغباء لتصل الى المراد. قد يكون الرئيس برّي يقصد شخصية أرتين الخاصّة ببرنامجنا وقد لا يكون، لكنّ الأكيد أنّ "روق عصبري" ليست لأحد سوانا وتسرّ حينها عندما تعلم أنّ أحد السياسييّن يقولها لأجلك".


حتىّ النصوص الدينية

إذا كان العماد عون قد استخدم هذه العبارة للمرّة الأولى في سبيل الدعابة، فالحقيقة تشير الى أنّ ظاهرة الإقتباس المستجدّة باتت متأصلة عند بعض السياسيين وبمثابة قوتهم اليومي الذي لا غنى عنه في كلّ خطاب وما أكثرهم.
رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع لا يقتبس من الشعب، بل يضرب "عالتقيل" فيلجأ الى النصوص الدينية. فعدى العبارات التي يتميّز بها والتكرار الذي بات على لسان كلّ محبيه ومبغضيه، إذا اطلعنا على خطابات جعجع لوجدنا بعض العبارات المقتبسة من الكتاب المقدّس وعلى رأسها:" إنّ الأرض في حزن عميق ولكن السماء في فرح عظيم"، وقد استخدم جعجع هذه العبارة في ذكرى اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط من العام 2006. هذا ولا تفارق جملة "الى أبد الآبدين" جعجع في معظم خطاباته وكلماته. أمّا بعيدًا عن النصوص الدينية فلم يوفّر جعجع الشاعر التونسي "أبو القاسم الشابي" في كلمته الخاصة في الذكرى الأخيرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري فصرخ في جمهور ساحة الحرية:" إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر".


معجم خاصّ

من لا يقتبس من سياسييّ لبنان يؤلف معجمه الخاصّ. بعيدًا عن الهزء أو التسخيف، لا بدّ من استعراض حقيقة ما يرد على لسان بعض الزعماء والذي بات جزءًا لا يتجّزأ من شخصيتهم. فالنائب وليد جنبلاط لا ينفك يتساءل :"الى أين"؟ وهي الجملة الشهيرة التي لا ترافقه، أمّا السيد حسن نصرالله فمعروف بعبارة :"يا أشرف الناس" التي يكررها كلّ مرّة يخطب أمام جمهوره الحاشد. "إيه يعني إنّو" ثلاث كلمات خاّصة بالوزير السابق سليمان فرنجية، في حين لم يتردد رئيس الوزراء فؤاد السنيورة في حمل لواء بقاء الحكومة:"باق باق باق". "يا إخوان" (مع مطرقة) مشهد يرسم في ذاكرتنا صورة الرئيس برّي، ونقول ذكريات لأن وقتًا طويلاً مضى على حرمان الشعب من مشهد مماثل، أمّا رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل فاقتبس من الفنانة جوليا بطرس –وربما هي اقتبست منه- عنوان أغنيتها الأخيرة التي تخصّ بها المقاومة "أحبائي"، ناهيك عن جملته النحوية المعروفة:"حبذا لو".
باختصار، قاموسٌ خاصّ يصنع صورة كلّ سياسي من ساسة لبنان، يطبع شخصيّته الخاصّة، أحيانًا قد يصبّ في مصلحته إذ يبقيه حيًا في ذاكرة محبيه، وأحيانًا أخرى قد يكون سلبيًا إذ يجعله محطّ هزء لدى مبغضيه وعلى ألسنتهم التي لا تقصّر في إشعال فتيل العنف الشارعي.

ولم لا الإقتباس طالما كانت العبارة رائجة بين الناس وطالما أنّ السياسي هو "من الناس والى الناس يعود". لكنّ الحري بهم أن "يروقوا" على صبرنا وإلاّ فلا أحد "باقٍ باق باق" في البلد، وهذا واقع "أكيد أكيد أكيد". عندها يكون الأوان قد فات "يا إخوان" ولا مجال للندم للقول:"حبذا لو" أو حتى للتساؤل:" لبنان " الى أين؟". فالجواب معلوم سلفًا وقد يكون "هلق تنيّ" أو في "أبد الآبدين".

No comments: